Wednesday, January 25, 2012

النكبة اليهودية - التهجير والمجازر والإجبار على اعتناق الإسلام




مقال رأي للكاتب الصحفي بن درور يميني نشر في صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم 16.5.2009


يقال إنها كانت من الجمال ما يبهر. كانت سول (سوليكا) حاتوئيل قد بلغت السابعة عشرة من عمرها عندما قطع رأسها. كانت صديقة لها مسلمة ادعت بأنها تمكنت من أسلمتها، وحين نفت سول ذلك، تم اتهامها بالكفر والحكم عليها بالإعدام. وبلغ أمرها السلطان.
ومنعا لموتها حاول وجهاء الطائفة اليهودية إقناعها بالعيش كمسلمة، ولكنها رفضت قائلة: "لقد ولدت يهودية وسأموت يهودية"، فحسم مصيرها. حدث هذا سنة 1834. كانت سول من مواليد مدينة طنجة وتم إعدامها في مدينة فاس. وإلى يومنا هذا يزور قبرها الكثيرون. ورغم تخليد الحدث من خلال شهادات ولوحة مشهورة ومسرحية، إلا أن قصتها طواها النسيان. والتقرير التالي مُهدًى لها ولضحايا النكبة اليهودية.
يحيي الفلسطينيون في الخامس عشر من مايو أيار من كل عام، ومعهم الكثيرون في العالم، ذكرى النكبة، وهي بالنسبة لهم ذكرى الكارثة الكبرى التي حلت بهم عند قيام دولة إسرائيل، حيث أصبح مئات الآلاف من العرب لاجئين، وفر بعضهم وتم تهجير البعض الآخر. وقد تم تضخيم النكبة حتى باتت حدثا عملاقا، إلى درجة أنها تحول دون حل النزاع.
يشار إلى أنه خلال الأربعينات من القرن الماضي كان التبادل السكاني وعمليات التهجير في سبيل إيجاد دولة قومية هي نهجا مألوفا، حيث مر بمثل هذه التجربة عشرات الملايين من البشر. ولكن الفلسطينيين وحدهم، وهم في ذلك لا يُتركون لحالهم، يضخمون أسطورة النكبة يوما بعد يوم.
بيد أن ثمة نكبة أخرى، هي النكبة اليهودية، إذ تم خلال تلك الحقبة ارتكاب سلسلة كبيرة من المجازر والمذابح وأعمال النهب والسلب ومصادرة الأملاك والتهجير بحق يهود البلدان الإسلامية، ولكن هذه القضية بقيت في الظل. لقد كانت النكبة اليهودية أكثر خطورة من النكبة الفلسطينية، والفرق الوحيد بينهما أن اليهود لم يحوّلوا نكبتهم إلى روايتهم المؤسِسة، بل عكس ذلك هو الصحيح.
فقد فضل يهود الدول العربية، شأنهم شأن عشرات الملايين من اللاجئين غيرهم، تضميد جراحهم لا نكؤها وفتحها وجعلها تنزف أكثر بكثير. أما الفلسطينيون فآثروا النزيف على إعادة التأهيل، ولذا فهم يدفعون الثمن.
لقد عملت صناعة الكذب على تضخيم أسطورة النكبة لتحولها إلى الجريمة المطلقة، حيث تحظى النكبة بما لا يمكن حصره من المنشورات والندوات والمؤتمرات، إلى حد التشويه الكلي للمسار التاريخي الحقيقي. لقد باتت مجزرة دير ياسين أحد معالم طريق النكبة الفلسطينية، مع أنه  ليس ثمة إطلاقا ما يستدعي التستر على ما جرى خلالها (وإن يكن أمر المجزرة شيئا مختلفا عليه). أجل، قُتل الأبرياء، بل كانت هناك حالات أخرى ليست بالكثيرة من مثل ذلك السلوك يجب فضحها ويجدر التنديد بها.

اليهود تعرضوا للقتل والتشريد والمعاناة أكثر من غيرهم
إلا أن اليهود في الدول العربية تعرضوا لسلسلة أكبر من المجازر، علما بأنهم لم يعلنوا الحرب على أي من البلدان التي كانوا يقيمون فها، بل كانوا مواطنين أوفياء، ولكن ذلك لم يجدهم نفعا. لقد تم طمس معاناتهم ولا أحد يروي روايتهم، إذ طغت الرواية الفلسطينية على الخطاب التاريخي. إننا في غنىً عن رواية فلسطينية تقف بمحاذاة أخرى صهيونية، بل ما نحتاجه هو التخلي عن الروايات لحساب الحقيقة, والحقيقة أن اليهود كانوا أكثر عرضة للقتل والتهجير والمعاناة.
إن في إحدى الشهادات المذهلة من تلك السنين، وهي آتية من الجانب العربي بالذات، ما يوضح الأمور، حيث بعثت ست شخصيات علوية سورية سنة 1936 رسالة إلى وزير الخارجية الفرنسي أعربت فيها عن خشيتها على مصير المنطقة.
وتطرق هؤلاء فيما تطرقوا إليه، إلى القضية اليهودية بقولهم: "لقد أتى اليهود بالسلام والتنمية وأشاعوا الذهب والازدهار في فلسطين، ولم يهجروا أحدا، ورغم ذلك شن المسلمون الجهاد عليهم ولم يرتاعوا عن ارتكاب المجازر بحق النساء والأطفال، وذلك على مرأى ومسمع من سلطات الانتداب. إن اليهود سيواجهون مصيرا رهيبا مروعا فيما لو انتهى الانتداب وتوحد المسلمون". واللافت أن أحد موقعي الرسالة كان والد جد الرئيس السوري بشار الأسد.
يشار إلى أن ذكرى النكبة هي ذكرى استقلال دولة إسرائيل الموافقة 15 مايو أيار، كما يجدر التذكير بما حدث بعد ساعات معدودة من إعلان الاستقلال، حيث قال الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام باشا ضمن إعلانه الحرب على إسرائيل إن الحرب ستكون ضروسا، وسوف تروى قصة المجزرة كما تروى قصة حروب المغول والصليبيين.
أما المفتي الحاج أمين الحسيني الذي كان من أهل بيت هتلر إبان الحرب العالمية الثانية فقد أدلى بدلوه هو الآخر بقوله: "إنني أعلن الجهاد، أيها الإخوة المسلمون، فاذبحوا اليهود! إذبحوهم عن آخرهم!

المحرقة الصغرى ليهود الدول العربية
تكشف وثائق مختلفة، منها ما لم يتم اكتشافه إلا في السنوات الأخيرة، أن إعلان الحرب كان أوسع من ذلك نطاقا بكثير، حيث شمل إعلان الحرب على اليهود جميعا.
فقد كشف بحث كان من معديه البروفسور إيرفن كوتلر وزير العدل الكندي الأسبق أن الجامعة العربية وضعت مشروع قانون يفرض سلسلة من العقوبات على اليهود، من ضمنها مصادرة أملاكهم وحجز حساباتهم المصرفية وما إلى ذلك. أما ديباجة مشروع القانون فتوضح أن "جميع اليهود سيتم اعتبارهم أبناء الأقلية اليهودية في دولة فلسطين". وإذا كان مصير يهود فلسطين قد تقرر، فكيف بمصير يهود الدول العربية؟
وفعلا كان مشروع القانون المذكور في خلفيات العقوبات التي تم فرضها على يهود الدول العربية، ومن خلال التشريعات أحيانا، كما حدث في العراق، ثم في مصر، ومن خلال اتخاذ الإجراءات نفسها مع الاستغناء حتى عن التشريع. أما صناعة الأكاذيب فيقول خطابها إن يهود الدول العربية كانوا يعيشون بسلام مع محيطهم وأنهم كانوا ينعمون بحماية السلطات، ولم تلحق بها المعاناة إلا بسبب الحركة الصهيونية والتعرض لعرب فلسطين.
هذه الأكذوبة تكررت بصورة لامتناهية، وتستحق التفنيد هي الأخرى. فمع أن معظم يهود البلدان العربية لم يذوقوا فظائع المحرقة النازية، إلا أن ذلك لم يجعلهم أحسن حالا بكثير، حتى في مرحلة ما قبل الصهيونية. لقد عرف التأريخ حقبا كان اليهود يهنئون فيها بطمأنينة نسبية تحت حكم الإسلام، إلا أن تلك الحقب كانت الاستثناء لا القاعدة، فلقد توالى القمع والتهجير والمجازر المنظمة وسلب الحقوق الممنهج على مر تأريخ يهود البلدان العربية بكامله.

المشروع: أسلمة اليهود
من الممكن طبعا البدء بالنزاع الذي نشب بين النبي محمد واليهود، حيث كان النبي في نطاق الإصلاح الاجتماعي الذي تولاه وإخراج العرب من عصر الجاهلية، قد استمد الفكرة التوحيدية من اليهود وغيرهم، وقد يكون من اليهود بشكل رئيسي، إذ يتضمن القرآن العديد من عناصر الديانة اليهودية، منها تحريم أكل لحم الخنزير والختان، غير أن محمدا أراد أسلمة اليهود فرفضوا بطبيعة الحال، فكانت النتيجة التهجير وذبح المئات منهم.
سُمح لليهود بصفتهم أهل الكتاب بالعيش تحت ذمة المسلمين وممارسة عبادتهم، ولكن هذه الظروف قد تغيرت من وقت لآخر ومن جيل لجيل. وفي حالات كثيرة كان اليهود يعيشون تحت العهدة العمرية التي مكنتهم من العيش كذميين، وإن كان في وضع منحط، ولكن كثيرا ما لم يكن يسمح لهم بالعيش تحت حكم المسلمين ولو عيشا منحطا.

توالي المجازر المنظمة والاعتداءات
العصر الذهبي: من البراهين التي يؤتى بها لإثبات التعايش بين اليهود والمسلمين هو الازدهار الذي عرفه اليهود تحت حكم المسلمين في إسبانيا وما يسمى بالعصر الذهبي، ولكن الحقيقة غير ذلك تماما، فقد تعرض اليهود لسلسلة من الاعتداءات، حيث وقعت سنة 1011في مدينة قرطبة الأسبانية وتحت حكم المسلمين اعتداءات أسفرت عن مذبحة راح ضحيتها ما يتراوح بين المئات والألوف من القتلى اليهود بحسب تقديرات متفاوتة. وفي العام 1066 تم إعدام أبو حسين ابن النغريلة (واسمه العبري يوسيف هاناغيد) وقتل معه ما بين 4 آلاف و 6 آلاف من اليهود. وقد بدأت إحدى المراحل الأكثر قسوة سنة 1148، حين تولت الحكم سلالة الموحدين التي حكمت إسبانيا وشمال إفريقيا خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر.

المغرب: مقتل مئات الآلاف من اليهود
المغرب: هي الدولة التي تعرض فيها اليهود للمجازر أكثر من أي دولة أخرى، حيث تم خلال القرن الثامن محو طوائف يهودية بأكملها من الوجود على أيدي إدريس الأول. وفي سنة 1033 وفي مدينة فاس قتل 6000 من اليهود على أيدي الجماهير المسلمة. وأسفر تولي السلطة من قبل سلالة الموحدين عن موجات من المذابح الكبرى، حيث تفيد إحدى الشهادات التاريخية من تلك الأيام بذبح مئة ألف يهودي في فاس ونحو 120 ألفا في مراكش، مع وجوب أخذ الحيطة في تقدير هذه الشهادة. وفي سنة 1465 وقعت مذبحة كبرى أخرى في مدينة فاس، امتدت إلى مدن مغربية أخرى.
وفي تطوان وقعت مجازر منظمة في كل من عامي 1790 و 1792، تضمنت قتل الأطفال نهب الممتلكات واغتصاب النساء، فيما نفذت بين عامي 1864 و1880 سلسلة من المجازر بحق اليهود في مراكش، فأحصيت الضحايا بالمئات. وفي سنة 1903 تعرض يهود كل من تازة وسطات للمجازر، حيث مات 40 منهم.
أما سنة 1907، فقد نفذت مجزرة في الدار البيضاء سقط فيها نحو 30 قتيلا من اليهود، فيما اغتصب العديد من النساء. وفي سنة 1912 تكررت المجازر في فاس، حيث قتل 60 يهوديا، فيما أصبح نحو 100 ألف بدون مأوى. وفي عام 1948 تجددت المجازر بحق اليهود، فقتل 42 منهم في مدينتي وجدة وجرادة.
الجزائر: وقعت سلسلة من المجازر في الأعوام 1805 و 1815 و 1830، ثم تحسنت أوضاع اليهود مع بدء عهد الاحتلال الفرنسي في عام 1830 ولكن الأمر لم يحل دون وقوع مجازر أخرى بحق اليهود خلال الثمانينات من القرن الـ 19. وازدادت الأوضاع سوءً مع تولي حكومة فيشي الحكم في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية، ولكن قبل ذلك، وفي عام 1934 تحديدا، تسربت للمغرب تأثيرات نازية تسببت في تنفيذ مجزرة أخرى راح ضحيتها 25 يهوديا وذلك في مدينة قسطنطين. وبعد استقلال المغرب عام 1962 تم سن قوانين تمنع الجنسية المغربية عن غير المسلمين، مما أدى بالفعل إلى مصادرة ممتلكاتهم. وقد غادر المغرب معظم اليهود عند مغادرة المستوطنين الفرنسيين له (والمعروفين "بالأقدام السوداء" ? "البييه نوار").
ليبيا: قتل المئات من اليهود سنة 1785 على أيدي علي باشا. وزادت التأثيرات النازية من خطورة الاعتداءات على اليهود، حيث تم نهب ممتلكاتهم في بنغازي وإرسال الآلاف منهم إلى المعسكرات النازية ليتم إبادة نحو 500 منهم في تلك المعسكرات. وفي سنة 1945، وبعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها، بدأت مجازر جديدة بحق اليهود، سقط فيها 140 قتيلا، حيث أوردت جريدة النيويورك تايمز وصفا لمشاهد رهيبة للأطفال الرضع والمسنين اليهود وهم يضربون حتى الموت. وفي الاضطرابات التي وقعت سنة 1948 كان اليهود أكثر استعدادا، فلم يزد عدد قتلاهم عن 14 قتيلا، وفي أعقاب حرب يونيو حزيران من عام 1967 تكررت الاعتداءات فأودت بحياة 17 يهوديا تم ذبحهم.

سوريا: اختطاف عشرات الأطفال
العراق: تم في مدينة البصرة تنفيذ مجزرة بحق اليهود في العام 1776. وحين بدأ الانتداب البريطاني عام 1917، تحسنت أوضاع اليهود، ولكنها عادت فساءت سنة 1932 بعد انتهاء عهد الانتداب، حيث زاد النفوذ الألماني ليبلغ ذروته في المجازر المعروفة بالفرهود سنة 1941، والتي سقط فيها 182 يهوديا تم ذبحهم، علما بأن المؤرخ إيلي خضوري يقدر عدد القتلى بنحو 600 قتيلا، فيما جرى نهب آلاف المنازل.
وفي تلك الفترة أقام في العراق الحاج أمين الحسيني الذي قام بالتحريض على ارتكاب المجازر بحق اليهود. وبعد قيام دولة إسرائيل، وفي سنة 1950، عمل البرلمان العراقي بمشروع القانون الذي وضعته جامعة الدول العربية، فقام بتجميد ممتلكات اليهود، فيما تم فرض القيود على اليهود الباقين منهم في العراق. وقد حولت مجزرة "الفرهود" وما تلاها من التنكيل باليهود في فترة ما بين عام 1946 و 1949 اليهود إلى مهجرين ولاجئين من جميع النواحي، حيث أصبح الآلاف المعدودة منهم المتبقون في العراق يتعرضون للقرارات التعسفية القاسية. وفي سنة 1967 حُكِم بالإعدام على 14 شخصا بتهمة التجسس الملفقة، بلغ عدد اليهود منهم 11 شخصا. ودعت إذاعة بغداد الجماهير العراقية للخروج لمشاهدة الاحتفال بالإعدام.
سوريا: شهدت سوريا "فرية الدم" (وهي الاتهام الكاذب لليهود بقتل أطفال من المسيحيين لاستعمال دمائهم في خبز الفطائر التي يأكلها اليهود في عيد الفصح) الأولى في دولة مسلمة في العام 1840، ما أدى إلى اختطاف عشرات الأطفال اليهود وتعذيبهم حتى الموت أحيانا، بالإضافة إلى مجازر بحق اليهود. وفي سنة 1986 نشر وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس كتابا بعنوان "فطيرة صهيون" زعم فيه بأن اليهود استخدموا فعلا دماء راهب مسيحي لخبز الفطير، وهي ظاهرة معاداة السامية بنسخة جديدة. وعرف التأريخ مجازر أخرى في كل من حلب عامي 1850 و 1875، ودمشق عامي 1848 و 1890، وبيروت عامي 1862 و 1874. وظهرت في دير القمر "فرية دم" أخرى تمخضت هي الأخرى عن مذبحة سنة 1847، ووقعت في أورشليم القدس في العام نفسه مجزرة بحق اليهود كنتيجة لفرية الدم المذكورة. وفي سنة 1945 تعرض يهود حلب لمجازر كبيرة حيث قتل 75 يهوديا ودمرت الطائفة اليهودية في المدينة. وتجددت الاعتداءات الدامية سنة 1947، فحولت معظم اليهود السوريين إلى لاجئين، بينما ظل المتبقون في سوريا يعيشون كرهائن لسنوات كثيرة.

اليمن: إرغام اليتامى على إشهار الإسلام
إيران: وقعت مجزرة بحق اليهود في مدينة مشهد سنة 1839، حيث انقضّت الجماهير على اليهود بفعل تحريضها ضدهم، ليتم ذبح 40 يهوديا، فيما أُرغم الباقون على اعتناق الإسلام، ما حوّلهم إلى نسخة جديدة من يهود إسبانيا والبرتغال الذين أرغموا بعد احتلال المنطقة من قبل المسيحيين على اعتناق المسيحية، ففعلوا ولكنهم حافظوا على يهوديتهم في السر. وفي سنة 1910 ظهرت "فرية دم" جديدة في مدينة شيراز، قتل كنتيجة لها 30 من اليهود، فيما تم نهب بيوت اليهود جميعا.
اليمن:  شهد اليمن على مر التأريخ بعض المد والجزر في معاملته لليهود بين التسامح وفرض العيش الوضيع وبين المضايقات والاعتداءات، علما بأن "رسالة اليمن" للفقيه اليهودي موسى بن ميمون قد تم إرسالها ليهود اليمن ردا على رسالة تلقاها من زعيم اليهود اليمنيين ضمّنها وصفا للقرارات القاسية الصادرة بحقهم والتي قضت بأسلمتهم  عنوة (سنة 1173). وتوالت على اليمن فيما بعد موجات أخرى من مثل هذه الإجراءات بما لا يتسع المجال لحصرها هنا.
ومن المعالم البارزة القاسية على هذه الطريق ما عُرف بمنفى (موزع)، حيث قام إمام اليمن عام 1676 وبعد توليه منصبه بثلاث سنوات بتهجير اليهود إلى أحدى المناطق القاحلة في اليمن، ما تسبب في وفاة ما بين ستين وخمسة وسبعين بالمئة منهم بحسب تقديرات مختلفة. وقد تم فرض إجراءات كثيرة مختلفة على اليهود تفاوتت في قسوتها، علما بأن من أقساها ذلك الذي فرض على اليتامى الأسلمة القسرية. أما في عدن المجاورة والتي كانت تخضع للحكم البريطاني فقد ارتكبت مجازر بحق اليهود أودت بحياة 82 منهم، بينما تم تدمير 106 محلات تجارية يهودية من أصل 170 محلا تدميرا كاملا، وإحراق مئات المنازل وجميع المباني العامة التابعة للطائفة.
مصر: كان وضع اليهود في مصر، شأنهم في سائر الدول العربية، وضعا منحطا طوال مئات السنين، ولكن أوضاعهم تحسنت عندما جاء محمد على باشا إلى السلطة سنة 1805، ولكن شهادة لأحد الدبلوماسيين الفرنسيين ويدعى إدموند كومب لا تترك مجالا للشك، حيث قال: "لا يوجد في نظر المسلمين عرق أكثر حقارة من العرق اليهودي"، ويقول دبلوماسي آخر: "لا يكره المسلمون دينا قدر كرههم لدين اليهود".
وعقب ظهور فرية الدم في دمشق بدأت أمثالها يتم نشرها في مصر أيضا، ما تسبب في سلسلة من اعتداءات الجماهير المثارة في القاهرة في 1870 و 1882 وما بين عامي 1901-1907. كما وقعت اعتداءات مماثلة في كل من بورسعيد ودمنهور.
ووقعت اعتداءات على اليهود في ختام الحرب العالمية الثانية سنة 1945، حيث قتل عشرة منهم وجرح المئات، وفي عام 1947 تم تشريع قانون الشركات الذي ألحق ضررا كبيرا بأعمال اليهود وتضمن مصادرة أملاكهم. وفي عام 1948، وإثر قرار التقسيم، بدأت اضطرابات في القاهرة والإسكندرية. وتراوح عدد الذين تم قتلهم بين 80 و 180، فيما اضطر عشرات الآلاف إلى الهجرة، علما بأن العديد منهم فروا تاركين أملاكهم وراءهم. أما المتخلفون فلم يحالفهم الحظ أيضا، إذ صدر في مصر عام 1956 قانون يحرم اليهود من حق الجنسية ويجبرهم على مغادرة مصر بدون ممتلكات، وهو ما يعتبر عملا سافرا من أعمال التهجير والمصادرة الجماعية للأملاك الخاصة.

"لن يكون بالإمكان كبح جماح الجماهير"
إن ما سبق لا يعدو كونه تعدادا جزئيا من ضمن سلسلة طويلة للمذابح التي تم ارتكابها في البلدان الإسلامية. وقد حدثت الوقائع المذكورة قبل بدء المشروع الصهيوني وتواصلت بعد بدئه والحديث يدور حول أحداث متوالية قتل خلالها عشرات الآلاف من البشر لمجرد كونهم يهودا، مما يحيل مقولة التعايش واتهام الصهيونية بتقويض هذا التعايش أسطورة أخرى لا تمت إلى الواقع بصلة.
لقد أعلن سفير مصر لدى الأمم المتحدة، هيكل باشا، قبيل التصويت حول قرار التقسيم في نوفمبر تشرين الثاني 1947 مهددا: "إن حياة مليون من اليهود في البلدان الإسلامية ستكون مهددة بالخطر فيما لو تقرر التقسيم... وإذا سفك دم العرب في فلسطين، فسيسفك دم اليهود في مكان آخر من العالم".
وبعد ذلك بأربعة أيام قال وزير الخارجية العراقي محمد فاضل الجمالي "سوف لا يكون بالإمكان كبح جماح جماهير البلدان العربية بعد الانسجام الذي كان يعيشه اليهود والعرب". إن مثل هذا الانسجام لم يكن قائما، إذ جرى ذبح اليهود قبل ذلك بسنوات معدودة، وبعبارة أخرى، فقد كذب الجمالي بدون شك، لأن الحكومة العراقية هي التي شجعت الاعتداءات على اليهود من جهة، وأصدرت قرارات مصادرة جميع الممتلكة اليهودية من جهة ثانية.
يضاف إلى ذلك أن زعيم العراق في تلك الفترة نوري السعيد قدم مشروعا لتهجير اليهود في عام 1949 أي قبل الخروج المستعجل بل المفروض فرضا ليهود العراق. وقد أوضح السعيد أن "اليهود مصدر للمتاعب بالنسبة للعراق، وعليه، فلا مكان لهم بيننا وعلينا التخلص منهم قدر استطاعتنا". وذهب السعيد إلى أبعد من ذلك حين قدم مشروعا لاقتياد اليهود إلى الأراضي الأردنية ثم إرغامهم على العبور إلى إسرائيل, ورغم معارضة الأردن لهذا المشروع، إلا أن التهجير تم تنفيذه، فيما اعترف السعيد بأن الأمر يتعلق في الحقيقة بنوع من التبادل السكاني.
كانت الاعتداءات والمجازر وعمليات التهجير الكبرى لليهود إذن امتدادا لمعاناة اليهود تحت حكم المسلمين، علما بأنه كان دائما بين المسلمين من انبروا للدفاع عن اليهود، وهم أيضا جديرون بالذكر، كما كانت ثمة عصور من الازدهار، ولكن يبدو أن فترات الرخاء والازدهار بالنسبة لليهود في مصر خلال العشرينات والثلاثينات وفي الجزائر في القرنين الـ19 والـ20 كما في العراق خلال العشرينات من القرن الماضي كانت إبان الحكم الاستعماري. وفي معظم الحالات كانت أوضاع اليهود سيئة قبل الغزو الأوروبي وعادت فساءت بانتهاء الحقبة الاستعمارية.

كان تعرُّض العرب للمجازر في إطار عمليات عسكرية دائما
لم يحدث على امتداد العلاقة اليهودية العربية في البلدان الإسلامية أو إبان المشروع الصهيوني ارتكاب اعتداء واحد على المسلمين على غرار ما ارتكبه العرب بحق اليهود، بل وقعت الحالات الصعبة التي تستحق الشجب، مثل ما حدث في دير ياسين، في إطار المواجهة العسكرية.
إنها فعلا حالات تستحق الاستنكار، ولكن يبدو أنه يجب وضع الأمور في حجمها المناسب، فلقد ذبح العرب اليهود بغياب أي مواجهة وانعدام أي ذريعة عسكرية، ولمجرد كونهم يهودا. أما القلة من العرب الذين قتلوا، ففي نطاق عمليات عسكرية حصرا، ورغم ذلك نال كل تجاوز بحق السكان العرب من الأبحاث والكتابات ما لا يحصى ولا يحصر، علما أن الاعتداءات الأكثر خطورة بكثير التي ارتكبها العرب بحق اليهود قد تم تجاهلها فطواها النسيان.
عودة إلى دير ياسين التي أصبحت الرمز المطلق للنكبة، وقد أشرنا إلى أنها فعلة تستحق كل شجب واستنكار، وها نحن نكررها هنا، ولكن يجب في المقابل الإشارة إلى أن ذلك العمل قد سبقته سلسلة من حوادث القتل الشريرة بحق السكان المدنيين ضمن موجات من الأحداث الدامية التي تعتبر مجازر بكل المقاييس، ارتكبتها جماهير تم تحريضها لتعتدي على السكان المدنيين، بحيث تعرض آلاف اليهود للذبح ومنهم الأطفال والنساء والشيوخ، علما بأن الفلسطينيين قد ارتكبوا المجازر بحق أبناء شعبهم أيضا، حيث قتل خلال الثورة العربية خلال الثلاثينات من القرن العشرين 400 يهودي و 5000 من العرب، قتل معظمهم بأيدي إخوانهم.
لقد كان الشهران السابقان لدير ياسين هما الأكثر قسوة، حيث تم ذبح 39 عاملا في مصفاة النفط بمدينة حيفا وخمسون يهوديا في عمليات تفجير السيارات المفخخة وغير ذلك كثير. وقد بلغ مجموع القتلى خلال الشهور الأربعة التي فصلت بين قرار التقسيم وإعلان الدولة 850 يهوديا، قتل معظمهم قبل حادثة دير ياسين التي وقعت في 9.4.48، وبعضهم بعد هذه الحادثة (مجزرة القافلة المتوجهة إلى مستشفى هداسا بأورشليم القدس في 13.4.48). وكان معظمهم من المدنيين وقتل أكثرهم في مجازر وعمليات إرهابية. هذه هي الخلفية الحقيقية والتي تتمثل في عدد أكبر بكثير من ضحايا القتل اليهود، ولكنهم كلهم طواهم النسيان، فيغدو من الجدير التذكير بهم. إنها النكبة اليهودية التي يقل التطرق إلى ضحاياها في إسرائيل والعالم يوما بعد يوم.
دفع الفلسطينيون الثمن


كان ما يقارب المليون يهودي يعيشون في بلدان عربية عند قيام دولة إسرائيل، ولا يعيش في تلك البلدان اليوم سوى قلة قليلة منهم، فقد غادر معظمهم جراء تعرضهم للمجازر ومواجهتهم لخطر الموت، ولقد كان ذلك تهجيرا أكثر قسوة من التهجير الذي تعرض له عرب فلسطين الذين دفعوا ثمن إعلان الحروب والإبادة من قبل قادتهم. أما ممتلكات اليهود التي صودر بعضها وهُجر بعضها الآخر جراء التهجير، فتفوق قيمتها قيمة الممتلكات العربية التي بقيت في إسرائيل.
لقد حاول باحثون مختلفون تقدير قيمة الممتلكات اليهودية المصادرة عقب الهجرة القسرية التي فرضت على يهود البلدان العربية ومقارنتها بقيمة ما تبقى في إسرائيل من ممتلكات عربية جراء الهجرة القسرية التي فرضت على العرب. ويقدر الخبير الدولي في هذا المجال، الاقتصادي سيدني زفيلودوف، قيمة الممتلكات العربية بـ3.9 مليار دولار، مقابل ستة مليارات من الدولارات هي قيمة الممتلكات اليهودية بأسعار سنة 2007، وبالتالي، فإن مزاعم الفلسطينيين في هذا المجال لا تصمد أمام الواقع. لقد استدرجوا الدول العربية للحرب فدفعوا هم الثمن وجعلوا اليهود يدفعون ثمنا أعلى بالممتلكات والدماء على السواء.
ليس الهدف من هذا التقرير تضخيم النكبة اليهودية، بل إنه بعيد عن حصر جميع المجازر ومصادرة الأملاك وإرغام اليهود على إشهار الإسلام وما إلى ذلك من اعتداءات وتجاوزات، لا بل إن الهدف منه عكس ذلك تماما، فعندما يفهم العالم العربي ولاسيما الفلسطينيون أن المعاناة والتهجير وفقدان الممتلكات والدم المسفوك ليست حكرا على أحد، قد يدركون بأن هذا الماضي مكانه في حصص التأريخ، لأننا لو أجرينا الحساب السياسي، لتبين أن رصيدهم ما دون الصفر. لقد كانت النكبة اليهودية أكبر بكثير، وكانت المعاناة لا توصف، ولكنها معاناة تتكبدها الكثير من الشعوب، ومن ضمنها اليهود والعرب، والتي مرت بهذه التجربة عند تكون الدول القومية الجديدة.
ولذا وجب عرض رواية النكبة اليهودية، لا لزيادة الكراهية، وإنما لتقديم الأشياء على حقيقتها وتحقيق المصالحة بين الشعبين، لعل وعسى.

No comments:

Post a Comment