Monday, February 6, 2012

مزاد الدم

ما إن تنتهي فضيحة من فضائح العرب، حتى تظهر أخرى، و ما أن يصمت ثرثار حتى ينطق عشرة آخرون، و ما أن يُحَل مشكل، حتى يظهر عشرون آخرون، هذا هو حال العرب للأسف هذه الأيام. انعدام تام للشعور بالمسؤولية و غباء مطلق لبعض الأفراد في المجتمع العربي و بشكل يجعل المرء يتساءل أحيانا إن كان هناك من مازال يستخدم عقله في الوطن العربي، أم أن العقول العربية كلها في إجازة أبدية منذ العصور الوسطى؟ السبب الرئيس وراء كتابتي لهذا المقال هو “مزاد الدم” الذي بدأه قبل أيام شيخ من شيوخ السعودية – لماذا لا يفاجئني ذلك كثيرا؟ – و الذي انطلاقا من بيته الآمن المريح و معيشته المترفة أبى إلا أن يبدأ مزادا علنيا للدم و القتل يعقد به حياة الآخرين، و هي عادة رأيناها كثيرا في السعودية، و التي تُصَدِرُ الإرهاب لدول الآخرين مثل الجزائر تحت مسميات “الجهاد” بينما تقمعه على أراضيها لأنه من عمل “الفئة الضالة” وفق تعبيرهم! المهم أن هذا الشيخ لم يجد على الأرجح ما يشغل به نفسه ذلك اليوم، فأبى أن ينهيه – أي اليوم – دون أن يثير زوبعة في المنطقة بأكملها، عارضاً مبلغ مئة ألف دولار لكل من يأسر جنديا إسرائيليا، من أجل مبادلته بالأسرى الفلسطينيين. يعرض هذا و هو الذي لم يعش في حياته في منطقة حرب أو عانى من ويلاتها. أولا، سؤال بريء يطرح نفسه هنا، من أين لك هذا؟ رجل دين من اللذين يمدحون لنا الزهد في الدنيا و ترك لذاتها و نسيان الدنيان و العمل من أجل الآخرة، و هو ليس برجل الدين الشهير أو دائم الحضور على الساحة العربية، اللهم إلا انتقاده الدائم لكل شيء. رجل الدين هذا لديه استعداد لدفع مبلغ يعادل راتب موظف طبقة وسطى لمدة سنتين كاملتين في الولايات المتحدة، و هو مستعد لمنح هذا المبلغ بكل سهوله، لكل من يأسر جنديا إسرائيليا، طمعا في “نصر” آخر يزيد في إنقاص قيمة العرب و رخص ثمنهم، فـ “شاليط” الجندي الإسرائيلي الشاب هزيل القوام تم مبادلته بـ 1047 عربي في كامل صحتهم! و ربما الصفقة المقبلة – إن حدثت، لأنني لازلت أعتقد أن شاليط كان ضربة حظ لحماس لن تتكرر- ستزيد من رخص قيمة العرب، فيبادلون جنديا إسرائيليا آخر بضعف ذلك العدد، و ربما تضيف لهم إسرائيل مجموعة مجانية، على غرار اشتري واحدا و أحصل على اثنين مجانا، و هكذا إلى أن تصبح قيمة الإسرائيلي الواحد تساوي قيمة كل العرب، حينها، و بمجرد استهداف إسرائيلي آخر بالقتل، نُقصف كلنا بالنووي مقابل ذلك الإسرائيلي و يرتاح العالم من هرائنا و ثاني أكسيد كربوننا الذي لا ننتج سواه.

إن كان من منتصر حقيقي في صفقة التبادل، فهو بدون منازع إسرائيل و التي أثبتت أنها تضع مصلحة مواطنيها قبل كل شيء، و أثبتت ذلك من خلال سعيها اللامحدود لإطلاق سراح أسيرها، إلى درجة أنها أطلقت مساجين ارتكبوا جرائم قتل من السجون، و هم الأسرى الفلسطينيون و الذين استقبلوا استقبال الأبطال، بينما هم في غالبيتهم العظمى ارتكبوا جرائم بحق مدنيين و قتلوا أسراً بأكملها بدم بارد، و بينهم حتى من تسبب في مقتل أطفال و شباب مدارس ثانوية كانوا في حفلات ترفيهية، أولئك هم أبطالكم! أضف إلى ذلك، إسرائيل الآن أثبتت للعالم أنها عندما تقتل العشرات من الفلسطينيين مقابل كل عملية إرهابية تقتل ولو مدنيا واحدا داخل أراضيها فهي ليست تظلمهم، فهم أنفسهم قبلوا بعملية حساب (إسرائيلي = 1047 فلسطيني) و هذا يعني أنه لا يحق لهم الاعتراض بعد اليوم عندما يقتل منهم العشرات مقابل كل مدني أو جندي إسرائيلي يقتل، فهم من وضع تلك القاعدة الحسابية، لا بل و اعتبرها نصرا تاريخيا مبينا!

نقطة أخرى أود الحديث عنها قبل العودة لصلب الموضوع، العرب كعادتهم في تقديس أنفسهم و إلقاء اللوم على الغير بمناسبة و بدون مناسبة، تحدثوا كثيرا عند إطلاق المساجين الفلسطينيين و الذين يطلقون عليهم “الأبطال”، تحدثوا عن المعاملة “القاسية” التي تلقوها مقابلة بالمعاملة “الرائعة” التي تلقاها شاليط. حسنا، أنا إنسان عقلاني و لا أحكم بعواطفي بل بعقلي، أتيت بصور المساجين المطلق سراحهم و قارنتها بصورة شاليط الذي يبدو على ملامحه و كأنه كان ميتا لمدة خمس سنوات، مساجين مرتكبون لجرائم ضد أُسَرٍ و أطفال صغار مع سبق الإصرار و الترصد خرجوا من السجون في أتم صحه و عافية، و الكثير منهم وجهه ممتلئ و كأنه لم يكن مسجونا على الإطلاق، على الجانب الآخر، شاليط، و الذي خرج و هو لا يكاد يقوى على المشي، شاحب الوجه و الصوت و لا يكاد يمشيء خطوتين دون أن يبدوا و كأنه سيسقط، هل هذه علامات “الدلع” الذي كان يتلقاه عند محتجزيه؟ هل هذه حسن معاملة الأسير و التي لا يتذكرها العرب إلا عند مقتل مجرم مثل القذافي؟ من أصدق أن معاملته كانت أحسن؟ من خرج بكامل صحته يرقص فرحاً و طرباً أم من خرج و هو لا يكاد يقوى على الوقوف؟ و أنا هنا أعمل التفكير العقلاني الصرف، لا عواطف على الإطلاق في الموضوع، ولو كنت من أصحاب العواطف، لكذبت عيني – كما فعل الكثيرون- و قلت أن شاليط خرج يرقص في أتم صحه بينما المساجين الفلسطينيون “المساكين” خرجوا و هم لا يقون على الحركة! قليلاً من المنطق رجاء! هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى إعماء العاطفة و التعصب لأعين العرب و بشكل لا يمكن تصديقه، و هو عمى بلغ درجة أصبحوا فيها لا يرون شيئا واضحا وضوح الشمس لأي متابع محايد، و يواصلون إنكاره بكل إصرار.

أعود لصلب المقال، مزاد الدم و الذي انطلق من السعودية، لم يكفه أن من بدأه رجل من رجال الدين تعودنا مؤخراً على شطحاتهم الغير محسوبة و التي تأتي في أوقات غريبه، و بشكل مريب لتثير الفتن و العواطف، لم يكف المزاد ذلك، لينضم إليه أحد أصحاب “السمو”، و الذي جاء لا لينصح رجل الدين بالتعقل و ربما الصمت، بل ليصب الزيت على النار، معتقدا أنه بأمواله يستطيع فعل كل شيء، و تحدث داعما لرجل الدين ذاك، مضيفا مبلغا إضافيا للمبلغ الذي عرضه ذلك الشخص، و أصبحت أرواح الناس لعبة في مزاد علني، فبعد أن زايدوا على الملابس الداخلية للمشاهير و أرقام الموبايلات المميزة بالملايين، أصبحت أرواح الناس موضوعة في مزاد علني اليوم يديره رجال لا يفكرون قبل أن يتحدثوا، و يتلذذون بإشعال النيران في بلدان الآخرين، ثم يذهبون مساءا للنوم في قصورهم العاجية آمنين مطمئنين. مثل هذا التصرف قد يجعل إسرائيل تلغي بقية مراحل التبادل، خاصة و أنها استلمت أسيرها، و خاصة و أنها تحت ضغط رهيب من الداخل لأنها أطلقت محكومين في قضايا قتل و استهداف مدنيين مقابل عسكري لا يبدوا أنه قتل بعوضه من قبل، ماذا لو قامت إسرائيل بإلغاء بقية المراحل؟ هل ستقطعون أرزاقهم أم تفرضون حصارا عسكريا على دولة تفوقكم قوة؟ أقترح حينها أن تقدموا رجل الدين هذا لإسرائيل مقابل الحصول على بقية أسراكم!

بعض الأشخاص من الأفضل لهم أن يسمعونا سكوتهم – كما يقال في الجزائر – و يشغلوا أوقاتهم بأشياء أهم بدل التحريض على اختطاف الآخرين و إشعال المزيد من الأحقاد و العدوات. معظم تدخلات العرب في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي و منذ بداية الصراع لم تساهم يوما في تهدئة الأمور، بل هي تدخلات كانت لإشعال النيران فقط لأناس لا يعيشون في الخطوط الأمامية للجبهة و لا يشعرون بحالة اللاأمن التي يعيشها الإسرائيليون و الفلسطينيون على حد سواء! العرب افواههم دائما مفتوحه و ينظرون و يحرضون، بينما هم يعيشون في أمان بعيدا عن صراع لا يريدون له أن ينتهي فقط لأنهم ليسوا من ضحاياه، و لكم يضحكني رؤية جزائريين و مصريين و عرب من جنسيات أخرى يعارضون استطلاعات مثل ” هل تعترف بإسرائيل لو اعترفت هي بدولة فلسطينية مستقلة” بتعليقات مثل ” لن نقبل” و “على جثتي” و كأنه هو المعني الأول بالاستطلاع، و كأن له علاقة بذلك الصراع أو حتى اكتوى بناره ولو من بعيد، بينما هو في الحقيقة يمضي يومه يشرب القهوة و يدخن الشيشة ثم يأتي قبل النوم و قد ارتدى منامته الحريرية ليلقي ببضع كلمات كراهية على الإنترنت يعقد بها حياة آخرين يعيشون في قلب الصراع، و أقصد بالآخرين هنا، الجانبين الإسرائيلي و الفلسطيني، كلاهما.

لطالما سمعت الإسرائيليين يقولون “العرب لا يريدون السلام، و لا يريدون سوى دمار إسرائيل، لذلك يجب أن ندمرهم قبل أن يدمرونا” و كنت أعتقد أن مثل هذا الكلام هو مبالغة، أو ربما كلام بعض المتطرفين في إسرائيل والذين يريدون من خلاله تبرير إشعال حرب شاملة ضد العرب، و لكنني من موقعي كمتابع للمحتوى العربي على الإنترنت و مواقع سبر الآراء العربية، بدأت أقتنع أن تلك العبارة لا تخلو من الصحة إن لم تكن صحيحة تماما، فالعرب حتى و إن تظاهروا بحب السلام و رغبتهم في مشروع الدولتين، في قرارة أنفسهم لا يريدون حلا سوى تدمير إسرائيل بالكامل، و لا يهمهم ما قد يترتب على ذلك من تشريد شعب بأكمله و من كوارث إنسانية و ربما إشعال حروب نووية، فكل استطلاعات الرأي في المواقع العربية تؤكد أن العرب يرفضون حل الدولتين، حل العاصمة المشتركة، حل حدود 67، و حتى حل حدود 1948، و كلما قُدم لهم تنازل من الجانب الإسرائيلي اعتقدوا أن ذلك ضعف و طلبوا المزيد، ثم بعد ذلك نتهم الإسرائيليين بأنهم لا يريدون السلام بينما نحن نريد تدمير دولتهم و تشريد شعبهم؟ و هي دولة تعترف بها كافة الدول العربية و إن أنكروا ذلك، لأن الأمم المتحدة معترفة بها، و كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمة بذلك الاعتراف، و هو ما يعني أن كل دول “الممانعة” و كل ذلك الكلام الفاضي معترفة بإسرائيل مهما حاولت التظاهر بغير ذلك.

كيف يمكن لإسرائيل أن تعقد معاهدة سلام و تعيش في أمان مع جيران يريدون دمارها؟ و هم جيران يرون في الخديعة أمرا مستحبا. كيف و أنا شخصيا حاورت أشخاصا عربا قالوا لي أنهم يريدون السلام و لا يريدون دمار إسرائيل، ثم اكتشفت أنها كلها أكاذيب الضعفاء، الذين يتلونون مع كل ريح، بينما يخفون نواياهم الحقيقية من الجميع؟ انا كعربي اقتنعت أنه ليس إسرائيل وحدها من يتحمل اللوم في فشل عملية السلام، بل العرب أيضا والذين يستغلون عملية السلام للمطالبة و محاولة تحقيق المزيد من المكاسب التي لا يستحقونها أساسا، و أذكر هنا كلمة سمعتها من أستاذ جزائري قالها لي يوما و هي أن إسرائيل بموافقتها على التفاوض على السلام أساسا تقدم تنازلا هائلا! فهي دولة نووية تفاوض شبه دول لا تملك حتى أسلحة متطورة، ناهيك عن السلاح النووي، و كلامه هو عين الصواب.

هناك الكثير من نماذج التعايش بين الفلسطينيين و الإسرائيليين داخل إسرائيل و خارجها، و هي نماذج نجحت لأن القائمين عليها من الجانبين توقفوا عن الإصغاء للمحرضين من العرب و من الفلسطينيين أنفسهم، و هي نماذج ناجحة جدا و يمكن لأي منها البحث عنها عن الإنترنت، و ربما أخصص مقالا للحديث عنها قريبا، و هي في معظمها نماذج جمعت الفلسطينيين و الإسرائيليين في مدارس مشتركه، و بيوت مشتركه و حتى أماكن ترفيه مشتركة، وهي بالطبع نماذج لن تعجب أشخاصا نذروا حياتهم لإراقة الدماء و إذكاء الأحقاد.





No comments:

Post a Comment