Wednesday, February 8, 2012

إختراع الأخبار




الصورة المنشورة مع هذا الموضوع هي صورة إلتقطها المصور حازم بدر و الذي يعمل للوكالة الصحفية الفرنسية (AFP) و قام بإرفاقها بتعليق من المفترض أنه يشرح قصة الصورة و مكان حدوثها. الصورة تظهر فلسطينيا لحظة وقوعه على الأرض فيما يبدوا أنه موقع إنشاء في إحدى المناطق المتنازع عليها بين إسرائيل و السلطة الفلسطينية.

التعليق الذي أرفقه المصور مع الصورة يقول: ” عامل إنشاءات فلسطيني مصاب يصرخ في ألم بعد أن داس سائق سيارة للجيش الإسرائيلي تجر جراراً على قدميه، بعد محاولته إيقافه عندما قامت القوات الإسرائيلية بإيقاف العمال في 25 يناير 2012 من بناء منزل في قرية الديرة، جنوب ياتا في الضفة الجنوبية بمنطقة حبرون. القوات الإسرائيلية كانت تقوم بحجز المعدات و المقطورة من عمال الإنشاءات بسبب وقوع الموقع في المنطقة المحتلة (C) و التي تمنع إسرائيل فيها الفلسطينيين من البناء على أرضهم”.

هذه الصورة نشرتها مع التعليق المرفق تحتها نُشرت في عدة مواقع عالمية من بينها “إنترناشيونال هيرالد تربيون”، و خدعت الكثيرين حول العالم كما خدعت صورة البحرين السابقة الكثيرين أيضاً. الوكالة الصحفية الفرنسية أصدرت بيانا تساند فيه الصحفي و تدعي أن الصورة و القصة صحيحتان تماما و لا مجال لأن يكون في أي منهما تزييف أو تحريف، كما قامت أيضا بإرفاق صورة كشف طبي قالت أنه صادر عن المستشفى الذي عولج فيه المصاب.

لكن لجنة الدقة في تقارير الشرق الأوسط في أميركا (CAMERA) كان لها رأي آخر. يقول موقع المنظمة أنه بعد أن تم التأكد من مصادر إسرائيلية و فلسطينية، من الواضح أن الرجل لم يكن مصاباً على الإطلاق، و أنه لا وجود لأي دليل على أنه تم دهسه. من الجانب الفلسطيني، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان و الذي يصدر تقريراً مفصلاً حول جميع الحوادث و الإصابات في كل من الضفة الغربية و غزة، لم يتطرق إلى تلك الإصابة المزعومة في تقريره للفترة 19-25 يناير. إضافة إلى ذلك، وكالة الأنباء الفلسطينية “معاً” لم تقم بتغطية الإصابة المزعومة، على الرغم من أنها غطت أنشطة للجيش الإسرائيلي ذلك اليوم في تل الرماده. “معاً” كانت ستتحدث عن تلك الحادثة بالتأكيد لو حدثت. الحادثة لم يكن لها أي وجود في أي مواقع للأخبار باللغة الإنجليزية ذلك اليوم.

على الجانب الآخر – يتواصل تقرير (CAMERA)- الكابتن باراك راز، المتحدث بإسم شعبة جودايا و ساميريا و الذي تحدث إلى الجنود الذين كانوا حاضرين في الموقع، أخبر (CAMERA) مايلي: الجنود كانوا متواجدين على الموقع من أجل توفير الحماية الأمنية للإدارة المدنية، و التي كان تحاول منع الفلسطينيين من البناء على أرض غير مصرح لهم بالبناء عليها. أحد العمال الفلسطينيين كان مستلقياً على الأرض بجوار المقطورة قبل أن يبدأ في الصراخ بأنه تم دهسه. لم ير أحد عملية الدهس. في البداية إشتكي من إصابة رجله اليسرى. قام أحد الجنود الطبيين بفحصه و لم يجد شيئاً. الجندي قام على الرغم من ذلك بلف ضمادة حول رجله لأنه واصل الصراخ بأنه تم دهسه. لاحقا، إدعى العامل أن رجله اليمنى هي المصابة. وفقا لراز، الصليب الأحمر الفلسطيني، و الذي كان متواجداً وقت الحادث أيضا، قام بتفحصه و لم يجدوا أي إصابة به.

من الواضح أن هذا الحادث كان مدبراً، حيث تظاهر الرجل بالإصابة من أجل إعطاء صاحب الصورة موضوعاً يكتب عنه. عدم تأكيد أي مصدر مستقل لهذه الحادثة يجعل من تلك ذلك الإحتمال أكثر قوة، خاصة مع عدم وجود شيء عنه في التقرير الأسبوعي للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

أن يتحول صحفي من مجرد ناقل للأخبار إلى مبتكر للأخبار هو أمر مثير للخجل فعلاً، خاصة عندما يكون الخبر ذو تأثير سلبي على منطقة غير مستقرة أساساً و لا تحتاج إلى المزيد من هذه الأكاذيب لبث المزيد من الكراهية و الأحقاد. لا أدري إلى متى ستستمر هذه الأساليب التي لا تمت لمهنة الصحافة و أخلاقياتها بأي صلة.

هذه الصورة لم تنشر بعد في المواقع العربية، و لكن يمكنني من الآن توقع نوعية العناوين و القصص التي سترافق قصة بدأت غير موثوقة من المصدر. إذا كانت تمثيلية في البحرين حُوِلت إلى تلك الخرافة التي شاهدناها و صدقها الملايين، لكم أن تتخيلوا كيف سيكون مصير هذه القصة إن لم دحضها من المصدر، و هو ما قامت به (CAMERA) و ما يجب أن يقوم به أي إنسان يريد أن يرى شرق أوسط خاليا من العنف و الصراع، و أهم من ذلك، خاليا من الأكاذيب و التحريض.

No comments:

Post a Comment