Friday, November 29, 2013

هل قام الرسول برحلة الإسراء إلى فلسطين أم إلى المدينة المنورة ؟


قال الله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (الإسراء 1) و النص يخبر أن الله أسرى برسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ... فهناك مسجدان إذن الأول هو المسجد الحرام , و الثاني هو المسجد الأقصى , و الأقصى صيغة تفضيل بمعنى الأبعد , فالمكان الذي إنتهى إليه الإسراء برسول الله يجب أن يكون مسجدا , و ليس مكانا يتخذ فيما بعد مسجدا , و لا مكانا كان فيما قبل مسجدا , و أن يكون بعيدا جدا عن المسجد الحرام , و لا يلزم أن يكون مبنيا , فقد كان المسجد الحرام - يومئذ - مجرد فضاء حول الكعبة .
و لكن فلسطين لم يكن بها يومئذ مسجد ليكون بالنسبة للمسجد الحرام مسجدا أقصى , فلم يكن فيها يومئذ مؤمنون بمحمد , يجتمعون للصلاة في موضع معين يتخذونه مسجدا , فقد كان أكثر أهلها مسيحيين و كانت بينهم أقلية يهودية , و مع إحترام القرآن لمعابد اليهود و النصارى فإنه لم يطلق على أي منها إسم مسجد , و إنما سماها بيعا و صلوات (الحج 40) و المسجد الموجود اليوم في مدينة القدس و المعروف بإسم المسجد الأقصى , لم يشرع في بنائه إلا سنة 66 بعد هجرة النبي , أي في عصر الدولة الأموية , و ليس في عصر الرسول و لا أحد من خلفائه الراشدين . هذا عن المسجد .
و أما عن كلمة أسرى : فإذا فتحنا المصحف , و تتبعنا النصوص التي وردت فيه , فسوف نجد النصوص التالية: "قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل و لا يلتفت منكم أحد إلا إمرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" (هود 81) , و معنى أسر بأهلك بقطع من الليل: أمش بهم خفية بعد مضى جزء من الليل , و نحوه في الحجر 65 "فأسر بأهلك بقطع من الليل" , و قوله تعالى: "و لقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا و لا تخشى" (طه 77) , و معنى أسر بعبادي : امش بهم خفية من عدوكم , و نحوه في الشعراء 52 , "أن أسر بعبادي إنكم متبعون" و في الدخان 23 : "فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون" .. فالإسراء إذن هو الإنتقال خفية من مكان الخطر , إلى مكان أمن , و معنى أسرى بعبده : أمره أن يسري و رعاه و هو يسري , أي ينتقل خفية من عدوه إلى مكان يأمن فيه على نفسه و على دعوته , أي أن النص يخبر عن هجرة الرسول من مكة إلى المدينة , و لا يتكلم عن زيارة إلى فلسطين . و قد تمت هجرة الرسول خفية عن أعدائه .
و لنعد مرة أخرى إلى أول سورة الإسراء ... إنه يعلل الإسراء بقوله : "لنريه من آياتنا" و قد أعتاد المفسرون و رواة الأخبار على تفسير ذلك بأنه : رؤية الأنبياء , و الصلاة بهم , و قد يزيد بعضهم الصعود إلى السماوات و رؤية الجنة و الجحيم . فبم نفسر نحن آيات الله في هذا الموضع ؟ و أي التفسيرين أولى بالقبول ؟ إننا نفسرها بنجاة الرسول من أعدائه الذين مكروا به ليقتلوه أو يسجنوه , و تأسيسه دولة بالمدينة , و إنتصاره في بدر , و عقده صلح الحديبية , ثم فتح مكة و إنتشار دعوته ... و هذه آيات حسية موضعها دنيا الناس , و كلها مترتبة على الإسراء بالرسول من مكة إلى المدينة , بينما الآيات التي يذكرها المفسرون و رواة الأخبار ليست من عالمنا الدنيوي , فإما أن تعرض على الرسول في صورة مثل , و إما أن يتحول الرسول عن طبيعته الدنيوية كي يراها على حقيقتها , و في الحالتين فإنها لا تكون آية , لانها لا تكون آية إلا حينما ترى على حقيقتها و يكون الرائي على طبيعته البشرية الحقيقية . بل إن تعليل الإسراء بقوله : لنريه من آياتنا يدل على الإسراء شرط لرؤية تلك الآيات , أي أنه لن يرى أيا من تلك الآيات إلا إذا انتقل إلى موضع معين , و نحن نقول : إن انتصار دعوته كان مرهونا بانتقاله إلى المدينة حيث يوجد الأنصار , و لكن رؤية الرسول لبعض أو كل من سبقه من الأنبياء , ليس مرهونا بسفره إلى القدس , لانه الإعجاز ببعثهم أو بدخول الرسول إلى عالمهم الأخروي ليس مرهونا بانتقاله إلى القدس , حتى لو فرضنا جدلا أنهم جميعا دفنوا بالقدس و أنهم جميعا اتخذوها مركزا لعبادة الله . بل إن الأولى أن يأتوا هم إليه في مكة تقديرا له و لمكة التي ستكون المركز الجديد لعبادة الله .
و إذا مضينا خطوة أخرى مع النص الكريم , و جدناه يقول فيما يشبه تعليل تلك الآيات التي رآها الرسول : "أنه هو السميع البصير" الأمر الذي يعني أن الله تعالى أسرى برسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى , لأنه تعالى سمع و أبصر أمورا لها ارتباط بذلك الحدث ,فهل يزعم أحد أن الرسول كان يدعوا الله أن يريه فلسطين أو موضع هيكل داود أو عددا من الأنبياء الذين بعثوا قبله , أو عالم السماء و الجنة و النار ؟ إن زعم ذلك أحد فإنه يفتري الكذب على الرسول ... أما نحن فنقول : أنه تعالى هو السميع لدعاء الرسول أن يحميه من كيد قومه , و أن يوفر لدعوته موطنا آمنا في بيئته العربية , و هو البصير بكيدهم لقتله أو سجنه , و لذلك تم الإسراء (= الهجرة سرا) في نفس اليوم الذي قرروا فيه قتله أو سجنه .
و من أخبار الهجرة النبوية : "ثم واصل سيره إلى المدينة فدخلها لأثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ... فألتف من حوله الأنصار , كل يمسك بزمام راحلته يرجوه النزول عنده فكان يقول : دعوها فإنها مأمورة , فلم تزل راحلته تسير في فجاج المدينة و سككها حتى و صلت إلى مربد (مكان يجفف فيه التمر) لغلامين يتيمين من بني النجار , أمام دار أبي أيوب الأنصاري , فقال النبي :هاهنا المنزل إن شاء الله , و كان أسعد ابن زرارة - قد أتخذه مصلى قبل هجرة النبي , فكان يصلي فيه بأصحابه , فأمر رسول الله أن يبنى ذلك الموضع مسجدا , و أبتاع أرضه بعشرة دنانير" مختصرا من كتاب فقه السيرة للبوطي , و كلمة مصلى الواردة في النص يمكن استبدالها بكلمة مسجد , أي أن هذا الخبر يثبت أن منتهى هجرة الرسول التي تمت سرا كان مسجدا أو مصلى بالمدينة .
و الخلاصة : أن الإسراء لم يكن إلى فلسطين , و إنما كان إلى المدينة المنورة , و أنه بدأ من المسجد الحرام , بعد أن صلى الرسول و صاحبه فيه و ودعاه , و إنتهى عند مسجد أسعد ابن زرارة أمام دار أبي أيوب الأنصاري بالمدينة المنورة , حيث بنى الرسول مسجدا عرف بمسجد النبي , و أن تفاصيل رحلة الهجرة هي نفسها تفاصيل رحلة الإسراء , لأن الإسراء هو الهجرة سرا

No comments:

Post a Comment