Saturday, December 21, 2013

لا يوجد فصل عنصري في اسرائيل

يتم في الاسابيع الاخيرة بسبب اقتراح قانون الدولة القومية واقتراح قانون ‘أسهِم تأخذ’، بل في الشهور الاخيرة بسبب أحداث مختلفة، التنديد بدولة اسرائيل فوق صفحات هذه الصحيفة باعتبارها دولة فصل عنصري. وتتغلغل هذه المقارنة بين دولة اسرائيل ودولة الفصل العنصري، أي جنوب افريقيا في أواخر القرن الماضي، في الآونة الاخيرة الى الخطاب العام، وجعلها عبارة مقبولة أكثر فأكثر.
إن نعت عدم التساوي الموجود بين مجموعات من السكان من جوانب مختلفة في دولة اسرائيل بأنه فصل عنصري هو تشويه للواقع وللتاريخ. ظهر الفصل العنصري بمظهره الحديث في 1948. ففي الوقت الذي كتب فيه الآباء المؤسسون لدولة اسرائيل في وثيقة الاستقلال ان الدولة التي ستنشأ ‘ستحافظ على التساوي في الحقوق الاجتماعية والسياسية الخالص لكل مواطنيها بلا تفرقة في الدين والعرق والجنس′، وضع رئيس حكومة جنوب افريقيا دانيال فرانسوا مالان، الأساس للفصل العنصري (الابرتهايد) وهي كلمة ذات أصل افريقي وتعني الفصل العنصري. وسنت حكومة مالان سلسلة قوانين عنصرية منها منع الزواج بين البيض والأعراق الاخرى، وقانون سجل السكان الذي عمل على تصنيف كل مواطني الدولة بحسب العِرق. وتم التصنيف في الأساس بحسب المظهر الخارجي وبحسب العادات ايضا.
وسُنت في جنوب افريقيا الى أن انهار الفصل العنصري بصورة نهائية في 1994، عشرات القوانين التي أفضت الى فصل عنصري في كل مجال تقريبا يمكن ان يخطر بالبال، من مقاعد منفصلة في الشوارع للبيض وأبناء الأعراق الاخرى مرورا بالفصل في المدارس والنقل العام وشواطئ الاستحمام وفي مجالات اخرى، الى استعمال منظومة حقوق مستقلة ومختلفة للبيض والملونين والسود.
إن الفرق بين نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا والوضع في اسرائيل وفي المناطق ايضا واضح جدا، بل إنه لا داعي الى احصاء كل الفروق. وحتى لو وجدت في الهامش في اسرائيل ظواهر يمكن ان تُذكر بظواهر كانت موجودة في جنوب افريقيا ذي الفصل العنصري، فانني أفترض أن أكثر المنتقدين تطرفا لا يعتقدون ان الحديث عن فصل عنصري ايديولوجي ممأسس ومحسوب.
ولا ينطبق على الوضع في اسرائيل ايضا تعريف جريمة الفصل العنصري كما تُعرفها وثيقة روما (وثيقة محكمة الجنايات الدولية في لاهاي). فالوثيقة تقضي بأن جريمة الفصل العنصري تُنفذ حينما يوجد هدف وعمل ممأسس لتمييز واضطهاد شعب آخر، وليس هذا هو الوضع في اسرائيل ولا في اراضي يهودا والسامرة ايضا.
بدأت صورة اسرائيل باعتبارها دولة فصل عنصري بمقالات اكاديمية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي وانتقلت من هناك الى تصريحات شعبية بعد فشل اتفاقات اوسلو. وأفضى قبول وثيقة محكمة الجنايات لجرائم الحرب التي قضت بأن الفصل العنصري هو جريمة على الانسانية، الى موجة تصريحات تدعو الى وضع دولة اسرائيل على كرسي الاتهام في لاهاي بسبب هذه الجريمة ايضا. وفي نهاية المطاف فانه أخذ يُتذكر كل سنة في أنحاء العالم منذ سنة 2005 ‘اسبوع الفصل العنصري’، الذي يزعم فيه المتطرفون من منتقدي اسرائيل في الأحرام الجامعية وفي مراكز المدن في دول كثيرة أنها دولة فصل عنصري. ان نجاح الحملة الدعائية كبير جدا بحيث يؤيد كثيرون جدا من منتقدي اسرائيل وسياستها هذه المقارنة. وتغلغلت الفكرة تغلغلا عميقا جدا الى درجة أن النتيجة الثانية في البحث عن ‘الابرتهايد’ في ‘غوغل’ هي ‘اسرائيل والابرتهايد’. وحينما يكون الوضع على الارض معقدا ويمكن الخلط بين الحقائق يُغرى ناس جديون ايضا بتصديق هذه الرواية.
بعد أن وُسمت اسرائيل بسمة الفصل العنصري لم تعد الحقائق ذات صلة تقريبا. فكل ظاهرة وكل قانون وكل تصريح لسياسي أو عامل في الحياة العامة يتعلق بالعلاقات بين اليهود والعرب يُصنف على أنه لبنة اخرى في نظام الفصل العنصري الموجود هنا في ظاهر الامر. فكيف تُثبت بعد ذلك أن ذلك غير صحيح.
لكنه يمكن في هذه الحال إثبات ان الدعوى داحضة. اجل يوجد في دولة اسرائيل فروق بين مجموعات من السكان. ويُعبر في بعض الحالات عن الفروق ايضا بانقسام ديني طائفي. إن السيطرة على اراضي يهودا والسامرة في الحقيقة من دون أن يُطبق القانون الاسرائيلي عليها يخلق واقعا قانونيا معقدا فيه خصائص عدم المساواة والمس بحقوق فريق من السكان هناك.
ومن جهة اخرى توجد مُعاديات لهذه الظواهر وجهات تراقبها من داخل الجهازين السياسي والقضائي. قد توجد اقتراحات قانون مصابة بالتمييز وعدم المساواة، لكنها لا تقصد الى انشاء نظام فصل عنصري، وكذلك ايضا اقتراح منح من يخدم الدولة مكافأة. اذا تحولت هذه الاقتراحات عرضا الى قانون فان المحكمة العليا تستطيع ان تنتقدها بوسائل دستورية عظيمة القوة. وهي تفعل ذلك ايضا حينما يكون الحديث عن عمليات في المناطق. والى ذلك لا يوجد اليوم في سفر قوانين دولة اسرائيل ولو قانون واحد أو توجيه أو أمر جنرال يعتمد على فصل عنصري أو يكون الفصل العنصري غايته.
ليست دولة اسرائيل بريئة من الظلم. وليست بريئة من عدم المساواة والأخطاء في التقدير، بل ليست بريئة احيانا من سياسة غير مناسبة متعمدة. لكن توجد هاوية عميقة تفصل بين هذه الظواهر و’دولة الفصل العنصري’.

1 comment: